عن بيان الخارجية المشبوه.. والدرع الأميركي الخردة
أن يخرج وزير خارجية لبنان الحالي عبدالله بو حبيب مُبرراً البيان الذي صدر عن وزارته بالقول أنه يعبّر عن موقف شخصي فهذا ليس مثيرا للجدل وحسب، بل موضع شك بخلفيات ما صدر عن الخارجية من بيان أقل ما يقال بأنه مشبوه في ما يتعلق بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي لا يمكن التعاطي معها بمعزل عن التطورات الجيوسياسية الحاصلة على الصعيد العالمي، وإعادة رسم خريطة التوازنات الدولية، وتصحيح أخطاء التاريخ وفق تعبير الرئيس السوري بشار الأسد.
كلام وزير الخارجية الذي أدلى به لصحيفة نداء الوطن بات يحمل في طياته الكثير من التساؤلات، عن الأهداف والدوافع الكامنة خلف صدور البيان المشبوه، خصوصا وان رئيس الجمهورية لم يطلع على مضمون البيان بنسخته المعدلة، ورئيس المجلس النيابي أعلن ان البيان تمت صياغته بعيدا عن عين التينة، في وقت يبدو ان رئيس الحكومة وحده من كان على علم بكل تفصيل وجملة وفاصلة، وردت في بيان وزير الخارجية الذي قال انه جاء تعبيرا عن “موقف شخصي”.
لكن ما تبين حتى الآن بعد صدور سلسلة من المواقف لا سيما تلك الصادرة عن مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية أمل ابو زيد ورئيس التيار الوطني جبران باسيل، يثبت بما لا يدع مجالا للشك ان البيان كُتب في ليل وبعيدا عن اي تنسيق مع رئيس الجمهورية في محاولة تبدو أبعد من محاولة زج لبنان في أزمة دبلوماسية جديدة، وهذا يتعدى بأشواط ما حصل على خلفية تصريح الوزير السابق جورج قرداحي ومن قبله الوزير شربل وهبة علما ان كلام قرداحي صدر كتعبير عن رايه الخاص قبل توليه مقاليد وزارة الإعلام، بينما موقف وزير الخارجية شربل وهبة جاء ردا على الإساءة التي صدرت عن إعلامي خليجي على الهواء مباشرة ضد لبنان، وبالتالي كلام قرداحي وقبله كلام وهبي لم تأت في بيانات رسمية مذيلة بتوقيع الدولة اللبنانية، على غرار ما حصل مع الوزير بو حبيب.
بإختصار يمكن القول أننا اليوم امام محاولة واضحة وصريحة لتقديم أوراق إعتماد الى الجانب الأميركي، وبالطبع فإن رئيس الحكومة الذي أصرّ على إصدار البيان بنسخته التي خرج بها للإعلام، يبدو ان لديه حساباته الخاصة، فجاء بيان الخارجية غب الطلب نزولا عند رغبة عوكر وسفيرتها، وعليه يبدو أن الدرع الذي اعلن الوزير بو حبيب أنه يرتديه يظهر انه امريكي الصنع وبضمانة ميقاتية، لكنه لن يجنّب لبنان تبعات بيان الخارجية، خصوصا وأن المجموعة العربية ممثلة بالامارات إمتنعت عن التصويت لصالح مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن لإدانة العملية الروسية في أوكرانيا، رغم ان الامارات التي سارت في ركب التطبيع تعتبر أقرب الى واشنطن وسياستها من لبنان.
فعن أي درع يتكلم وزير خارجية لبنان الذي أدخل لبنان في عنق زجاجة الأزمة الدبلوماسية مع موسكو، وربما المطلوب منه ان يتنحى ويغادر رأس الدبلوماسية اللبنانية، كيف لا وموقفه وكلامه تعبير عن رأي شخصي وفق ما أعلن بنفسه، بينما أولى أبجدية السياسة تتطلب من وزير خارجية دولة ما، أن ينسّق موقف بلاده بخصوص مسألة تتعلق بالتوازنات الدولية ولعبة الأمم مع الجهات المعنية في الدولة لا سيما رئاسة الجمهورية ورئيسي المجلس والحكومة الذي يبدو ان الأخير إختصر موقف الرئاسات بوجهة نظره التي أرادها مطابقة لمواصفات وإرشادات المحور الأميركي، فهل سياسة الحياد المزعومة تبطل مفاعيلها عندما يكون المطلوب من لبنان الرسمي موقف يتوافق والأهواء الأميركية، ولو كانت على حساب الموقف السيادي والوطني اللبناني، لكن كان أجدى بمن يسعى الى تقديم أوراق الإعتماد لبلاد “العم سام” أن يأخذ العبرة من أوكرانيا نفسها، حيث لم يجد رئيسها القادم من عالم التمثيل الى سدة الرئاسة، أن ما يقوم به مجرد دور كومبارس في لعبة السياسة الدولية التي لا تعرف حدودا أو حلفاء، لا سيما بالنسبة للأميركي الذي إعتاد أن يبيع حلفائه، وعليه تصبح سياسة الناي بالنفس عبارة لا محل لها في الإعراب أما درع الوزير بو حبيب فهو مجرد خردة سياسية.